بداية ظهور الذكاء الاصطناعي
يرجع ظهور الذكاء الاصطناعي الى فترة أوائل الخمسينات من القرن
العشرين حيث قام مجموعة من العلماء بتبني نهج جديد في عملية انتاج آلات ذكية وفقاً
للاكتشافات الحديثة في ذلك الوقت وفي تلك الفترة.
![]() |
تاريخ ظهور وتطور الذكاء الاصطناعي |
حيث ظهرت اكتشافات جديدة
وواعدة في مجال علم الاعصاب وكذا استخدام نظريات رياضية جديدة للمعلومات والاعتماد
على اختراع أجهزة تُبنى على أساس جوهر ما يسمى بالمنطق الرياضي.
أوائل البحوث في مجال الذكاء الاصطناعي
كان اول حدث تم تسجيله بخصوص البحوث والتطور العلمي النظري للذكاء الاصطناعي او ذكاء الآلة على يد عالم الرياضيات البريطاني الشهير آلان تورنج Alan Turing حيث نشر بحث علمي بعنوان Computing Machinery and Intelligence، حيث وضع تورنج اختبرا للجهاز بحيث اذا استطاع الجهاز اجتياز هذا الاختبار يتم تصنيفه على انه "جهاز ذكي" وهذا الاختبار يتكون من أسئلة بواسطة شخص يعرف بالحكم او Judge ويتم ايضاً توجيه نفس الأسئلة الى شخص حقيقي فإن لم يستطع الحكم ان يُميز بين إجابة الشخص والجهاز وحين يتمكن الجهاز من اجتياز اختبار الذكاء والمنطق فإنه يكون جهاز ذكي.
وفي العام 1956
تم عقد مؤتمر خاص بالذكاء الاصطناعي وذلك في جامعة دارت موث Dartmouth الامريكية وفي هذا
المؤتمر تم عرض بعض الأجهزة الحاسوبية والبرامج المذهلة حيث ادهشت الحضور كونها
قامت بإثبات نظريات منطقية وكذا كانت تتحدث باللغة الإنجليزية وهذا شجع وزارة
الدفاع الامريكية ان ذاك على دعم وتمويل أبحاث الذكاء الاصطناعي لما لها من مستقبل
واعد.
ولكن في العام 1974
تعرض بعض العلماء والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي لانتقادات واسعة وإيقاف
الدعم والتمويل عنهم حيث واجهوا مشاكل كثيرة لم يستطيعوا إيجاد حلول او تفسير لها
عند محاولاتهم لتنمية مجال الذكاء الاصطناعي.
بعد ذلك وتحديداً في فترة الثمانينات انتعش مجال أبحاث الذكاء
الاصطناعي مجدداً نتيجة لظهور ونجاح ما يُعرف بنُظم الخبرة Expert Systems وتالتي تحدثنا عنها في
مدونة تك نوك في احد المواضيع السابقة، حيث ان نُظم الخبرة هي عبارة عن برنامج او
اجهاز يقوم بمحاكاة لذكاء الانسان الخبير Expert ويقوم ايضاً بتشخيص مختلف المشاكل وتحليل المواقف وبناءً عليها
اصدار أوامر وتوقع الأحداث المستقبلية وإمكانية تقديم مختلف الخدمات للعملاء.
وفي فترة التسعينات من القرن الماضي الى أوائل القرن الواحد والعشرون حقق مجال الذكاء الاصطناعي نجاح باهر وعظيم وتم استخدامه في مختلف المجالات مثل المجالات اللوجستية وكذا استخراج البيانات او ما يُعرف بData Mining وفي التشخيصات الطبية وغيرها من المجالات.
مراحل ومحطات تاريخية لتطور الذكاء الاصطناعي AI
مر تطور الذكاء الاصطناعي بعدة مراحل حسب التسلسل الآتي:
اولاً: مرحلة الشبكات العصبية
لقد بدأت عدة محاولات وتجارب قام بها علماء من أمثال نوربرت فيتر
ووران مكالك منذ الاربعينيات من القرن الماضي لبناء وتصميم نظام يمكنه التفكير
واستخدام المنطق في اجراء مختلف عملياته عوضاً عن الفكرة القائمة على العلاقة
الثابتة بين مجموعة من الرموز وردود الأفعال حسب الرمز، وتمخضت اخيراً تلك التجارب
وتحديداً في العام 1940م بابتكار ما يسمى بالشبكات العصبية وذلك لمحاولة عمل محاكاة لشكل
وترتيب وطريقة عمل الخلايا في الجهاز العصبي لدى الإنسان.
ان الخلايا العصبية (الجهاز العصبي) في الانسان او الكائن الحي تتكون من جسم يحوي نواة بداخله ومن هذه النواة
تمتد ساق طويلة وتتصل بخلايا عصبية مرتبطة ببعضها عن طريق هذه السيقان العصبية المتفرعة وتقوم بإفراز سائل كيميائي يعمل كموصل لنقل الإشارات بين الخلايا العصبية وبالتالي
فعملية التوصيل في الخلايا العصبية هي عملية كهروكيميائية.
تقنية الشبكات العصبية في الذكاء الاصطناعي تحاول تقليد تلك الآلية
الموجودة في الخلايا العصبية الطبيعية في جسم الانسان حيث يتم تقسيم الشبكة
العصبية الاصطناعية الى وحدات تمثل كل وحدة نموذج لخلية عصبية بسيطة، في العام 1940م استطاع عالمان
هما ماكلوش وبيتس تن يقوما بتصميم شبكات الكترونية بسيطة تقوم بمحاكاة للخلايا
العصبية بصورة بدائية ويمكن لهذه الشبكات القيام بالحسابات المنطقية عن طريق
استخدام الجبر البولي وتطبيقها للتعبير عن المفاهيم الرياضية بصيغة منطقية.
في فترة الخمسينات بدأ العلماء المهتمين بالذكاء الاصطناعي بمحاولة
بناء وتصميم آلة ذكية تقوم بتقليد المخ البشري ومن اهم المحاولات هي تلك التي قام
بها روزن بلات في العام 1957م لبناء نموذج بسيط ومبسط لشبكية العين وتعتبر هذه هي بمثابة الاب
الشرعي للشبكات العصبية الحديثة حيث تحتوي على مكبرات تستطيع تمييز الأنماط وكذا
التعرف على الاشكال والصيغ والاشارات لتتمكن من تجميعها وتمييزها وتجميعها.
وبعد عقد من الزمن ظهرت شبكات عصبية اكثر تطوراً واكثر تعقيداً
واستمرت معها أبحاث الشبكات العصبية واشتد الاهتمام بها خصوصاً في فترة الثمانينات
وما بعدها وأصبحت بحوث الشبكات العصبية الاصطناعية اكثر تقدماً وتطوراً.
ثانياً: مرحلة البحث الموجه
في فترة الستينات من القرن الماضي بدأت البحوث تتطور وتتجه الى
اتجاهات جديدة ومنها اتجاه آلان نيويل وكذا هربرت سيمون حيث بُنيت نظريتهم على ان
التفكير في الانسان ينتج بواسطة عملية تنسيق بين مهام متنوعة ومختلفة تقوم هذه
المهام بمعالجة الرموز ومن ثم مقارنتها والبحث عنها وتعديلها.
وحيث ان الحاسبات كانت تقوم بهذه المهام فبالتالي ركزت أبحاث هذين
العالمين (نيويل وسيمون) على إمكانية تصور حل لمختلف المسائل على أساس البحث عن
الحل الممكن والمطلوب بين عدد كبير جداً من الحلول المحتملة.
في بداية الأمر تم التركيز على البرامج الخاصة بإثبات النظريات ثم بعد
ذلك تم التركيز على برامج لعب الشطرنج وفي نهاية المطاف تم تقديم بواسطة هذين
العالمين برنامج عام لحل المسائل General Problem
Solver - GPS.
ثالثاً: النظم المبنية على تمثيل المعرفة
هناك فرق بين نظم المعلومات ونظم المعرفة حيث ان نُظم المعرفة لا تقوم
فقط بالاهتمام بالمحتوى وطريقة الاعداد والأسلوب، ولكن تقوم ايضاً بالاهتمام
باستخدام هذا المحتوى ولا تهتم فقط بجميع المعلومات، بل تقوم بالربط بينها
وتمحيصها واستبعاد الزائف والمضلل وربط تلك المعلومات بالخبرات المتاحة لتأخد في
نهاية المطاف شكل يمكن استخدامه والانتفاع به والوثوق به.
ان نظام المعرفة هو عبارة عن نظام متكامل من المعلومات والبيانات وكذا الاستنتاجات يقوم بتحليل المعلومات واستنتاج الحلول للمشكلات. وهناك عدة مقومات لنظم العرفة المستخدمة في بحوث الذكاء الاصطناعي منها:
- يعتبر وسيلة ناجعة لاكتساب المعرفة وترشيحها من مختلف المصادر.
- أساليب تمثيل وتخزين وتحليل المعرفة.
- وسيلة استغلال مضمونة لقاعدة المعرفة.
- يعتبر وسيلة استنتاج واستخلاص لمختلف المعارف وتطبيقها على ارض الواقع.
- أساليب تنميط المشكلات وعمل محاكاة وتقييم للبدائل.
في فترة السبعينات من القرن الماضي وتحديداً في جامعة ستانفورد
بالولايات المتحدة الامريكية بدأت احدى البرامج البحثية بقيادة ادوارد فايجنيوم في
العمل على معالجة القصور الذي وجد في البرامج العامة لحل المسائل وذلك بواسطة البحث
عن طريقة لتمثيل المعرفة والخبرة للمساعدة في حل المسائل المختلفة.
بناءً على ذلك تم تصميم نظام خبير للتحليل الكيميائي وتم اطلاق اسم DENDRAL على هذا النظام الوليد
والذي تم الانتهاء منه في العام 1971م.
وفي العام 1976م انتهي الباحث شور تليف من احد البرامج المختصة بالتطبيقات الطبية
ويطلق عليه MYCIN
وهذا البرنامج يقوم بمساعدة الطبيب على تشخيص امراض الالتهاب السحائي ويساعد ايضاً
على توصيف العلاج الملائم، ومازال هذا النظام يستخدم بشكل متطور في جامعة ستانفورد
كلية الطب. ومن ذلك الحين أصبحت نُظم الخبرة تشكل واحدة من اهم تطبيقات الذكاء
الاصطناعي في مختلف المجالات.
رابعاً: التعلم الآلي
بسبب الاهتمام الكبير والمتزايد بنظم الخبرة التي تُبنى على المعرفة
فقد أدى ذلك الى ظهور استخلاص الخبرة او المعرفة وبالتالي بدأ البحث في طرق للتعلم
الآلي من المعرفة المبدئية المتوافرة للنظام والاستخدام، وفي العام 1982 قام العالم دوج لينات
بوضع نظام للتعلم الآلي يطلق عليه EURISKO ويعمل هذا النظام على تحسين وامتداد للمعرفة المتاحة عند النظام
بشكل آلي.
هذا النظام الجديد حقق نتائج مهمة جداً في مجال تصميم الدوائر
المتكاملة وادى الى زيادة سرعة المعالجات بشكل كبير، وقد احرز هذا النظام نتائج
هامة في مجال تصميم الدوائر المتكاملة ذات الثلاثة ابعاد.
خامساً: مرحلة ظهور الجيل الخامس للحاسبات
أتت فكرة تصميم الحاسبات بالاعتماد لفترة طويلة على حاسب يحتوي ذاكرة
رئيسية على البيانات والبرامج وتكون متصلة بوحدة معالجة مركزية بواسطة قنوات اتصال
تستخدم لتبادل البيانات عن طريق نقل وحدة بيانات واحدة في الوحدة الزمنية، ويمكن
لهذا النوع من الحواسيب تنفيذ عملية واحدة في الوحدة الزمنية عن طريق استخدام وحدة
معالجة مركزية واحدة.
ولكن ظهرت مشكلة جديدة هي
عملية نقل البيانات بين الذاكرة والمعالج وذلك لان نقل البيانات بين الذاكرة وبين
المعالج المركزي في الوقت الواحد يعوق إمكانية تنفيذ اكثر من عملية في الوقت
الواحد في وحدة المعالجة المركزية.
ازداد جهد العلماء والباحثين في إيجاد وتصميم حاسبات تستطيع تنفيذ اكثر
من مهمة في وحدة زمنية واحدة، واعتُبر الجيل الخامس هو أساس تصميم الحاسبات التي
تستخدم في هذا الجيل وبما رافق ذلك من تغيير كلي للغات التي يمكن استخدامها ايضاً.
وكانت هذه المرحلة آخر مراحل التطور لتقنيات الذكاء الاصطناعي حيث بدأ
بعدها عملية التحديث لهذه الحاسبات والنظم والآلات وتنقيحها وتحسينها الى ان وصلت
لشكلها النهائي اليوم بعد ان تم تطويرها لتناغم جميع المجالات وتدخل في مختلف
الصناعات وتعمل على احداث قفزة نوعية في التقنية والمعلوماتية والذكاء الآلي.
وهكذا استمر السباق وتعاقبت الدراسات والبحوث في مجال الذكاء الاصطناعي،
وما هذه عزيزي القارئ الكريم الا اضاءة بسيطة على واحدة من المراحل المبكرة لظهور
وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وصولاً لما هو عليه الآن، ولعلنا في مدونة تك نوك
للتقنية سنناقش بقية مراحل تطور الذكاء الاصطناعي في مواضيع مختلفة.